responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 48
بِدُونِ إِضْمَارٍ لِلْقَصْدِ إِلَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةَ الدَّلَالَةِ بِنَفْسِهَا، غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَى غَيْرِهَا، حَتَّى تَصْلُحَ لِأَنْ يُتَمَثَّلَ بِهَا، وَتَسْتَحْضِرَهَا النُّفُوسُ وَتَحْفَظَهَا الْأَسْمَاعُ.
[110]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 110]
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110)
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
يَتَنَزَّلُ هَذَا مَنْزِلَةَ التَّعْلِيلِ لِأَمْرِهِمْ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ، وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ كُنْتُم، فَهُوَ موذن بِتَعْلِيلِ كَوْنِهِمْ خَيْرَ أُمَّةٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ خَيْرِيَّتُهُمْ يَجْدُرُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَفْرُوضًا مِنْ قَبْلُ، وَأَنْ يُؤَكَّدَ عَلَيْهِمْ
فَرْضُهُ، إِنْ كَانَ قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلُ.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ كُنْتُمْ إِمَّا لِأَصْحَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ لِأَوَّلِنَا وَلَا تَكُونُ لِآخِرِنَا. وَإِضَافَةُ خَيْرَ إِلَى أُمَّةٍ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ: أَيْ كُنْتُمْ أُمَّةً خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ الْجَمَاعَةُ، وَأَهْلُ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ، مِثْلُ الْقَرْنِ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ مَشْهُورٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يُوسُف: 45] أَيْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَمُدَّةِ عَصْرٍ كَامِلٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا أَفْضَلَ الْقُرُونِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الْعَالَمِ، لِأَنَّ رَسُولَهُمْ أَفْضَلُ الرُّسُلِ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ لَا يُمَاثِلُهُ هَدْيُ أَصْحَابِ الرُّسُلِ الَّذِينَ مَضَوْا، فَإِنْ أَخَذْتَ الْأُمَّةَ بِاعْتِبَارِ الرَّسُولِ فِيهَا فَالصَّحَابَةُ أَفْضَلُ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ مَعَ رَسُولِهَا،
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي»
. وَالْفضل ثَابت للجموع عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ أُخِذَتِ الْأُمَّةُ مَنْ عَدَا الرَّسُولَ، فَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ الَّتِي مَضَتْ بِدُونِ رُسُلِهَا، وَهَذَا تَفْضِيلٌ لِلْهُدَى الَّذِي اهْتَدَوْا بِهِ، وَهُوَ هُدَى رَسُولِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرِيعَتِهِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ بِضَمِيرِ كُنْتُمْ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ فِي كُلِّ جِيلٍ ظَهَرُوا

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 48
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست